كريم بنصبيح
مع اقتراب موعد الإنتخابات التشريعية التي ستتمخض عنها الحكومة الجديدة ، بدأنا نرى ونسمع حزب العدالة والتنمية يروج لحصيلة ترؤسه وتسييره لأول حكومة في ظل دستور 2011 . فتقديم الحصيلة بعد تحمل المسؤولية هو فعل طبيعي ومحمود ، لكن ما ليس بطبيعي ولا محمود ، هو أن يصف حزب العدالة و التنمية حصيلته الحكومية كما لو كانت الوصفة السحرية التي انتقلت بالبلاد إلى مصاف الدول المتقدمة التي تمتلك إقتصاديات قوية ، وينعم مواطنيها برغد وبحبوحة العيش . هذا الفعل الغير طبيعي هو الذي استدعى إعادة تقييمي لحصيلة الحزب الحكومية من جوانب أربعة وهي : الإقتصاد ، الوضع الإجتماعي ، التشريع والخطاب السياسي .
ففيما يخص الجانب الإقتصادي ، فقد تعهد حزب العدالة والتنمية في نطاق حملته الإنتخابية التي قادته إلى ترؤس الحكومة ، بتحقيق نمو إقتصادي قدره 7 في المائة ، لكن تبين فيما بعد ، أن هذا الرقم لا يعدو كونه دعاية إنتخابية خضعت لمعايير سياسية وليست إقتصادية . في حين حددت المندوبية السامية للتخطيط نسبة نمو الإقتصاد الوطني سنة 2016 ب 1.5 بالمائة ، متأثرة بضعف التساقطات المطرية التي لا يزال الإقتصاد الوطني رهينا لها ، وارتفاع قياسي في حجم الدين الخارجي الذي حذر الحكومة من منحاه التصاعدي رئيس المجلس الأعلى للحسابات ، خلال العرض الذي ألقاه أمام مجلسي البرلمان يوم 4 ماي الماضي.
كما عانى الإقتصاد الوطني في عهد الحكومة الحالية ، من تراجع مؤشرات قطاعات إقتصادية تصنف ضمن المصادر المهمة للعملة الصعبة ، كقطاع النسيج على سبيل المثال لا الحصر.
عموما ، فتدبير الحكومة للمجال الإقتصادي يكتنفه التخبط الذي ينم عن سوء تقدير للأوضاع الإقتصادية للبلاد ، ويؤكد عدم إمتلاك حزب العدالة والتنمية لأي نموذج إقتصادي ناجح يستند إلى قواعد وقوانين إقتصادية واضحة ، و أن كل ما تضمنه برنامج الحزب في هذا الشأن ، ليس إلا أفكارعامة و مجردة تستند إلى معطيات وأرقام غير واقعية .
وبخصوص الجانب الإجتماعي ، فقد قرر حزب العدالة والتنمية بعد ترؤس أمينه العام للحكومة ، في أبشع صورة لنزعته البراغماتية المسيطرة على فكره و عمله ، التخلي عن مشروعه الإجتماعي الذي طالما اعتبر أهم رصيد يعتمد عليه الحزب في إقناع الناس بمشروعه السياسي ، فانخرط في إطار تدبيره للشأن الإجتماعي داخل الحكومة في سياسة إجتماعية لا مسؤولة ، إستهدفت بالأساس القدرة الشرائية لعموم المواطنين ، عبر الزيادات المتتالية في الأسعار ، وتجميد الأجور ، وإلغاء الدعم عن أغلب المواد الأساسية...ليأتي مشروع تخريب نظام التقاعد ، الذي أجهز على المكتسبات التي راكمتها الطبقة الشغيلة على مدى سنوات طويلة من النضال ، كآخر مسمار في نعش شعبية الحزب .
إن ما يميز تدبير حزب العدالة و التنمية داخل الحكومة للملفات الإجتماعية ، هو إصرار رئيس الحكومة ووزراء حزبه على تمرير قرارات إنفرادية تضع المواطن البسيط خارج حساباتها . وهو بالتالي إحتقار للدستور المغربي الذي يؤكد على اعتماد المقاربة التشاركية في معالجة مثل هذه الملفات الحيوية .
وبخصوص الأداء التشريعي ، فقد خيب حزب العدالة والتنمية آمال المغاربة الذين صوتوا له في استحقاقات 2011 ، بعد فشل الحكومة في استكمال البناء الديمقراطي والتنزيل السليم للدستور ، بسبب ضعف الإنتاج التشريعي الناجم عن تأخر الحكومة في إعداد وإخراج القوانين التنظيمية ، وترقبها قرب نهاية كل ولاية تشريعية للضغط على البرلمان قصد تمرير هذه القوانين ، مما ينعكس سلبا على جودة النصوص.
وبخصوص الخطاب السياسي لحزب العدالة والتنمية ، فلم يخرج عن نطاق يزاوج بين الإستفزاز و الديماغوجية . فبعد جعله من "محاربة الفساد " شعارا لحملته الإنتخابية ، تراجع الحزب طواعية عن شعاره بعد ترؤسه للحكومة واستبدله بقولة أمينه العام الشهيرة " عفا الله عما سلف " . فكان ذلك بمثابة نقطة الإنطلاق في سلسلة من التراجعات المتواترة عن الوعود التي تضمنها البرنامج الإنتخابي الذي بوأ حزب العدالة و التنمية المرتبة الأولى في إستحقاقات 2011 .
وحتى يضمن لنفسه الإستمرار في تقمص دور الضحية المستهدف من لدن العفاريت والتماسيح وغيرها من الكائنات الخرافية و الحيوانية من جهة ، والتغطية على ضعف أدائه وفشله في التسيير من جهة ثانية ، لجأ الحزب إلى استعمال مصطلح التحكم ، محتقرا - في ذلك - ذكاء المغاربة الذين لم ولن ينسوا أكذوبة محاربة الفساد.
ولما كان من خصائص الخطاب السياسي الميل إلى الأسلوب التقريري المباشر ، الذي يعتمد دقة اللفظ ووضوح المعنى بغية إضفاء المصداقية على المقول ، فإن خطاب حزب العدالة والتنمية يهدف بالأساس إلى تضليل الرأي العام باستعماله لغة الرموز ، والكلام المضمر ، وتوزيع الإتهامات في جميع الإتجاهات . وهو بالتالي خطاب سلبي يساهم في خفض منسوب ثقة المغاربة في العملية السياسية برمتها ، ويدفعهم نحو العزوف عن المشاركة في الإنتخابات وممارسة أحد حقوقهم الدستورية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق